خطر هيمنة المرجعية الفارسية في النجف الأشرف على التشيع العربي في العراق بقلم : قاسم سرحان
تاريخ النشر : 2006-05-01
خطر هيمنة المرجعية الفارسية في النجف الأشرف على التشيع العربي في العراق
بقلم : قاسم سرحان
لقد واضبت المرجعية الفارسية الشيعية في النجف الاشرف على تثبيت كيانها وهيمنتها على معظم الشيعة في العراق والعمل على اخضاع القرار الوطني والسياسي الى صالحها، فالمرجعية الاسلامية الصفوية في العراق لم تكن ابدا مرجعية فقهية ومرجعية علوم اسلامية وتنويرية للشيعة في العراق، بقدر ماكانت مرجعية رجعية متخلفة، تعمل بطريقة محكمة ومبرمجة على تضليل الشيعة العرب وأغراقهم في الجهل والتخلف والتبحر في الظلام والضلال الاسطوري المتفسخ بعفنه ودجله وسخافته التي لايمكن لدين تنويري فذّ كالاسلام القبول بها، من مثل التقية واللطم والبكاء على طول العام بمناسبة او دون مناسبة الى التعلق بالخرافات والدجل والسحر والخيرة، الى تعظيم الاطفال الموتى من ابناء السادة والملالي وتقديسهم وزيارتهم تبركا بهم كأنهم انبياء او اوصياء، الى شرب المياه الآسنة والتبرك بها الى بصاق السيد بوجه الرعية الى غيرها من الروزخونيات التي تشتهر بها اعراف وكتب الشيعة الى يومنا هذا.
انّ الاهداف العظمى والكبيرة للمرجعية الفارسية في العراق، بدءا من مرجعية النجف الاشرف الى مرجعيات كربلاء والكاظمية والحلة وسامراء كان جهدها الجهيد العمل على تحجيم المستوى الفكري والثقافي للشيعة العرب في العراق وأظهارهم للملأ على أنّهم لاقيمة انسانية وحضارية لهم بدون المرجعية الشيعية الفارسية، وقد نجحت المرجعية الفارسية على قتل وتصفية وتهميش ايّة محاولة انقاذ يقوم بها مرجع عربي شيعي في العراق وبطرق مختلفة، واول هذه الطرق التسقيط للمرجع العربي وبثّ الاشاعات المغرضة - من قبل حاشية المرجع الفارسي - من أمثال انّه خارج عن الطائفة الشيعية، كما حصل للأمام المجاهد آية الله العظمى محمد مهدي الخالصي الكبير وولده الامام المجاهد محمد الخالصي، كونهما عملا على التقريب بين المذهبين الاسلاميين السني والشيعي، الى بثّ الاشاعات المغرضة والسفيهة من أمثال انّ هذا العالم مجنون - مخبل - الى غيرها من الطرق السوقية القمعية التي تجديها مؤسسات القمع الايراني وارشادها الديني الموجه في العراق، الى طرق التصفية الجسدية وقتل الأئمّة العرب وبطرق ملتوية ظالمة كما حصل للأمام المفكر الاسلامي الكبير محمد باقر الصدر والشهيد الثاني محمد صادق الصدر رضوان الله عليهما، والتي تشير معظم الوثائق التأريخية والبوليسية الصدامية البعثية ومذكرات تلاميذ الصدر على دور المرجعية الفارسية في النجف الاشرف على تصفيتهم، ومن ثمّ افساح الدور التخريبي للمرجعية الفارسية ودرها في تسقيط الشيعة العرب في العراق.
لقد نقل العالم العراقي المرحوم علي الوردي في موسوعته لمحات اجتماعية وثائق تثبت الدور الخياني للمرجعية الفارسية في النجف الاشرف وتآمرها على الشعب العراقي لصالح الاحتلال البريطاني، ومن ضمن هذه الوثائق المهمة التي ترجمها من دائرة الوثائق البريطانية والخاصة بحقبة الاحتلال البريطاني للعراق، انّ المرجع الفارسي الاعلى في العراق المدعو كاظم اليزدي الطبأطبائي كان اليد اليمنى للأحتلال البريطاني في العراق، ويذكر انّ الجنرال ولسن الضابط البريطاني المشهور قال عند موت اليزدي: أنّه فقد اكبر حليف له في العراق وعلى هذا ايضا تسير المس بيل في مذكراتها.
ويذكر العالم المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه عن ثورة النجف من انّ المندوب السامي ارسل برقية لكاظم اليزدي يستشيره فيها بأعدام شباب الثورة من ابناء ابي كلل وغيرهم من الشباب النجفي الذي عرفوا في ثورة النجف ضدّ الاحتلال البريطاني، في محاولة لجس نبض المرجع في قضية اعدامهم شنقا حتى الموت، وهذا مايؤكده الشبيبي في مذكراته ايضا من انّ المرجع اليزدي لزم الصمت ولم يحرك ساكنا في قضية هؤلاء النجفيين الابطال، وهو- اليزدي - لو اشار بكلمة واحدة للمندوب السامي لأنقذ حياتهم جميعا - سواء سجنا او نفيا - الاّ انّ اليزدي الطبأطبائي وبصمته المطبق، فهم الاحتلال البريطاني موافقته على اعدامهم، وهذا ماحصل، حيث شنق 19 عربيا بطلا من ابناء النجف على جسر الكوفة.
يذكر الشيخ النعماني في كتابه سنوات المحنة وايام الحصار ويتبعه في هذا ايضا الشيخ مختار الاسدي في كتابه بين أزمة التأريخ وذمّة المؤرخين، انّ السيد الشهيد الامام محمد باقر الصدر كان ضحية تآمر المرجعية النجفية مع قوات الامن البعثي وقوات الامن البوليسي المشبوه للمرجعية الدينية في النجف الاشرف، حتى انّ السيد الشهيد الصدر الاول شكى من اذى المرجعية ومحاربتها له اكثر من شكواه من نظام صدام الارهابي.
وهذا نفسه ماحصل للسيد الشهيد الثاني محمد صادق الصدر، فكلّ الوثائق التي كشفها بعض الشرفاء من العراقيين - والتي هي الان بحوزة قوات الاحتلال - بعد سقوط نظام صدام حسين تؤكد تآمر المرجعية الفارسية في النجف الاشرف وعملها مع مخابرات صدام حسين على قتل محمد صادق الصدر وولديه رحمهم الله، وهي مازالت الى الان تعمل على تصفية بعض المراجع الكبار من العرب العراقيين، وعلى رأس المستهدفين الان في النجف الاشرف الامام المجدد المرجع الديني الكبير السيد العربي الامام احمد الحسني البغدادي.
انّ الوجود المرجعي الفارسي في العراق ليست له اهداف دينية وعقائدية وفكرية تجاه الاسلام والطائفة الشيعية، ولو كان يعمل بهذا الخطّ لظهرت يقظة فكرية ودينية حيّة متقدمة ومتجددة كما هو الحال في المرجعيات الايرانية في ايران وتأثيرها في مجتمعهم.
فالهدف المرجعي الايراني في النجف الاشرف له خدمة واضحة ومعروفة منذ تأسيس الدولة الصفوية والى الان، وهو تأجيج العداء الطائفي بين المسلمين ومن العراق لمصلحة الدولة الفارسية، وقد حقّقت الدولة الفارسية مكاسب عظمى من هذا النزاع الطائفي الذي كان مشتعلا تأريخيا أبان حقبة الاحتلال العثماني الصفوي للعراق على حساب الدولة وشعبها العربي، وكان من اعظم المكاسب للدولة الفارسية والعثمانية والتي دفع العراقيون والشيعة العرب ثمنها الى الدولة الفارسية اراضي الاحواز العربية ونصف المياه الاقليمية لشطّ العرب، مقابل غرس كيان فارسي في الارض العراقية وشحنه بمجاميع من الطبقات الفارسية الدونية - الكردية - وتحكمهم فيه، وهو مدينة السليمانية - شهرزور- التي ضمّت الى العراق مقابل ضمّ الاحواز الى ايران كما هو معروف بمعاهدة سيفر التي اشرف عليها البريطانيون والتحالف الغربي بين الدولتين العثمانية والفارسية الشاهنشاهية.
انّ الدولة الفارسية الحالية وقبلها الامبراطورية الفارسية قبل الاسلام كانت تضع العراق وشعب العراق كخنادق اولية لها ولنفوذها الاستعماري في المنطقة ، حتى انّها وللضرورة الاستراتيجية للعراق وموقعه المتميز في المنطقة والعالم نقلت عرشها المجوسي من ايران الى مدائن العراق وأخذت تدير الامبراطورية الفارسية من هناك - المدائن - ، الى ان جاء الفتح الاسلامي العربي ، هذا الفتح العظيم الذي حطم الحلم الفارسي المجوسي ودولة فارس في العراق ، هذا الحلم الذي مازال يعشعش في عقول المجوسيين وفرسهم ، والذي يطمح الى تحويل العراق وشعبه العريق الى لواء او اقليم الى دولة الفرس الاعجمية ، كما حصل للأحواز وشمال العراق ومدنه الاشورية التركمانية الى باقي المدن العربية مثل الجزر الاماراتية المحتلة من قبل الطغيان الفارسي الايراني المتوحش.
انّ التحول الفارسي الى الاسلام لم يكن تحولا عقائديا، ولم يكن ايمانا بالرسالة العربية الاسلامية ونبيها العربي الكريم، بقدر ماكان تحولا استراتيجيا وطنيا لدولة فارس وتأريخها مع الاديان الرافدينية، فألايرانيون لايشغلهم الدين والمذهب والعقيدة، بقدر ما يشغلهم السلطة والنفوذ وامتداد ارض فارس الى مايطمحون ويرغبون. انّ التأريخ الرافديني لبلاد مابين النهرين – العراق - يؤكد الولاء الايراني الفارسي لكل الاديان الاسطورية والاديان السماوية في العراق وفي المنطقة العربية، فالمجوسية والزرادشتية والمندائية هي عقائد عراقية بحتة بشرت بها الحضارات العراقية وطقوسها - السومرية والاكدية والبابلية - ودعمها القديس البابلي الشهير - ماني البابلي - وهذه العقائد الـ - مانية - العراقية الجنوبية كانت اساسا ومنطلقا للدعوة المسيحية التي بشر بها سيدنا المسيح عليه السلام.
انّ الايديولوجية الفارسية الايرانية وفهمها الاستعماري للشعوب الاخرى انطلق من عصبية الشعوب الى عقائدها واديانها، ومن ثمّ الدخول فيها وتشجيعها لمصلحة كيانها القومي وامتدادها الجغرافي، وهذا ماحصل للفتح الاسلامي ونفوذه العظيم في العالم القديم، فالتأريخ الاسلامي يذكرلنا من انّ معظم زعماء المذاهب الاسلامية واكبر المؤرخين الاسلامين بمن فيهم فقهاء السنّة من الفرس، حتى اشتهر في الفقه السني حديث اخرجوه بسند ينتهي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول مامعناه (ان العلم في السماء وابناء فارس له، او من هذا القبيل، لاحظ العنصرية الفارسية في هذا الحديث)، طبعا هذا قبل التحول الفارسي من السنّة الى الشيعة ، والذي تمّ بعهد السلطان اسماعيل الصفوي.
لم يكن الدخول الفارسي الايراني للأسلام اعتباطيا ، فهم دخلوا في كلّ الاديان العراقية وتحولوا منها حسب المصلحة القومية الايرانية الفارسية وتفاعلاتها في المنطقة وخرجوا منها منتصرين اقوياء، في وقت يكون فيه اصحاب الدين والدعوة ضعفاء متشرذمون، وهذا حقيقية ماحصل للمسلمين عند دخول الفرس الايرانيين الاسلام.
انّ العراق الان تمرّ عليه الان أخطر حقبة تآمرية في كلّ تأريخه الطويل، وهذه الحقبة تتمثل بالاحتلال الامريكي والفارسي له من جانب الى ضعف الايديولوجية الوطنية في العراق من جانب آخر، فالقادة السياسيين ومعظم من يدعون تمثيل الدولة العراقية، سواء من همّ في ظلّ الاحتلال او منهم في الضفة الاخرى، يعانون من مشكلة وطنية حقيقية، فهؤلاء لايدركون تأريخ بلدهم وجغرافية عراقهم، هؤلاء لايدركون من السياسة والقضية الوطنية غير الوصول للمنصب وتحقيق الاهداف الحزبية والطموحات الشخصية على حساب تأريخ العراق وشعبه وجغرافيته وحضارته، وهذا للاسف الشديد يمثل اكبر فشل للعراقيين وأحزابهم وقواهم الوطنية على طول تأريخ العراق.
أنّ اخطر عملية تعجيم للعراق واخطر محاولة لتمزيق الدولة العراقية تتمثل بالهيمنة الكردية على شمال العراق ومن ثمّ أقرار الاحزاب العراقية وتياراتها الاعتراف بوجود للأكراد في شمال العراق، فلم تسأل نفسها - هذه الاحزاب التي تدعي الوطنية - من اين جاء الحقّ الكردي في مدن عراقية آشورية تركمانية عربية لبضعة عشرات من السنين، لم يجرأ ايّ حزب سياسي عراقي - وطني - دعوة الاكراد وأحزابهم الى ندوة او اجتماع او مؤتمر وطني او دولي او أقليمي وطرح قضية الشمال العراقي وتأريخ المنطقة وأدعاء الاكراد ملكيتهم لها، ابدا ليس هناك قائد وطني لا من السنة ولا من الشيعة ولا من العرب ولا التركمان تجرأ بحس وطني عراقي رافديني وقال انّ المنطقة الشمالية للعراق لاوجود للأكراد فيها من قبل ثلاثة قرون مضت، وان وجد بعض الاكراد في العراق فهذا تمّ في العهد الاسلامي وفي مجتمع العراق الذي لاينهر ولا يقمع ولا يقاتل من يحب العيش فيه، وهذا للأسف ماحصل للقبائل الكردية الغازية لشمال العراق، التأريخ محفوظ في العراق وفي دول الجوار وفي كلّ المكتبات العالمية، وكلّها تثبت مانذهب اليه من عراقية الشمال العراقي، بدون اي واقع ووجود كردي.
انّ التعجيم وانّ تشعبت اصوله فهو واحد، فأذا كان الاكراد سنّة في الشمال العراقي، فهذا لايعني منح الشمال العراقي والارض العراقية للأكراد كونّهم سنّة، وكون الفرس شيعة فهذا ايضا لايعني اتهام العرب الشيعة وعملهم على ضمّ الفرات الاوسط والجنوب الى ايران.
انّ القضية العقائدية يجب ان توضع على جانب، والقضية الوطنية على جانب آخر، انّ المرجعية العربية السنية تتحمل مسؤولية تأريخية ووطنية في منح الشمال العراقي ومدنه العراقية للأكراد، فالمنطقة الشمالية للعراق هي قريبة للعرب السنّة ووجودهم وزعاماتهم، وهذا ماتثبته كلّ الحقائق التأريخية الحديثة والتي كما قلنا أنّها لاتزيد على بضعة عشرات من السنيين، وأشهرها ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر- الشمال العراقي اضافة للجزء الذي تقطتعه تركيا وهو ديار بكر - والتي كما يظهر من اسمائها انّها تعود الى القبائل العربية في المنطقة الشمالية التي تمتد الى عمق تركيا وسوريا وكلّ الاراضي العراقية التي يسيطر عليها الاكراد - من ديار مضر وربيعة الان - شمال العراق .
انّ القضية العقائدية والدينية كانت ومازالت سببا في تهشيم الجسد العراقي ودماره ومن ثمّ العمل على تعجيم العراق وشعبه، فالدولة العثمانية السنية ابدا لم تكن اقل خطرا على العراق من الدولة الصفوية الفارسية، فاذا كانت ايران غنمت جزء من الاراضي العراقية جرّاء عدائها للدولة العثمانية، فالدولة العثمانية أقتطعت معظم الاراضي العراقية والعربية الى كيانها الجديد مثل ديار بكر والاسكندرونة وبعض الاراضي السورية العراقية الحدودية التي تثبت عائديتها للآشوريين العراقيين.
انّ قيادات الشعوب الحازمة في العالم - بمن فيهم الفرس والاتراك - وضعوا قضية الدين والمذهب والعقيدة كقضية ثانوية في برامجهم الوطنية وفلسفتهم السياسية، فكما هو معروف انّ الدين والمذهب والعقيدة يمكن لهما العيش في ايّ مكان وجزء من العالم، وهذا ماحصل للأديان اليهودية والمسيحية والاسلامية السماوية الشرقية الى اديان البوذية والهندوسية والسيخ وغيرها، ألا ان الوطن والارض وتأريخها لايمكن نقلها الى هنا اوهناك، الاديان تتنقل والأوطان ثابتة، وهذا مذهب معروف في الحضارة البشرية. فكما جاء الله سبحانه وتعالى باليهودية جاء بعدها بالمسيحية ومن بعدها جاء بالاسلام، وهذه الاديان راحلة، الا انّ اوطان هذه الاديان ثابتة لم تتغير ولم تتحول.
تاريخ النشر : 2006-05-01
خطر هيمنة المرجعية الفارسية في النجف الأشرف على التشيع العربي في العراق
بقلم : قاسم سرحان
لقد واضبت المرجعية الفارسية الشيعية في النجف الاشرف على تثبيت كيانها وهيمنتها على معظم الشيعة في العراق والعمل على اخضاع القرار الوطني والسياسي الى صالحها، فالمرجعية الاسلامية الصفوية في العراق لم تكن ابدا مرجعية فقهية ومرجعية علوم اسلامية وتنويرية للشيعة في العراق، بقدر ماكانت مرجعية رجعية متخلفة، تعمل بطريقة محكمة ومبرمجة على تضليل الشيعة العرب وأغراقهم في الجهل والتخلف والتبحر في الظلام والضلال الاسطوري المتفسخ بعفنه ودجله وسخافته التي لايمكن لدين تنويري فذّ كالاسلام القبول بها، من مثل التقية واللطم والبكاء على طول العام بمناسبة او دون مناسبة الى التعلق بالخرافات والدجل والسحر والخيرة، الى تعظيم الاطفال الموتى من ابناء السادة والملالي وتقديسهم وزيارتهم تبركا بهم كأنهم انبياء او اوصياء، الى شرب المياه الآسنة والتبرك بها الى بصاق السيد بوجه الرعية الى غيرها من الروزخونيات التي تشتهر بها اعراف وكتب الشيعة الى يومنا هذا.
انّ الاهداف العظمى والكبيرة للمرجعية الفارسية في العراق، بدءا من مرجعية النجف الاشرف الى مرجعيات كربلاء والكاظمية والحلة وسامراء كان جهدها الجهيد العمل على تحجيم المستوى الفكري والثقافي للشيعة العرب في العراق وأظهارهم للملأ على أنّهم لاقيمة انسانية وحضارية لهم بدون المرجعية الشيعية الفارسية، وقد نجحت المرجعية الفارسية على قتل وتصفية وتهميش ايّة محاولة انقاذ يقوم بها مرجع عربي شيعي في العراق وبطرق مختلفة، واول هذه الطرق التسقيط للمرجع العربي وبثّ الاشاعات المغرضة - من قبل حاشية المرجع الفارسي - من أمثال انّه خارج عن الطائفة الشيعية، كما حصل للأمام المجاهد آية الله العظمى محمد مهدي الخالصي الكبير وولده الامام المجاهد محمد الخالصي، كونهما عملا على التقريب بين المذهبين الاسلاميين السني والشيعي، الى بثّ الاشاعات المغرضة والسفيهة من أمثال انّ هذا العالم مجنون - مخبل - الى غيرها من الطرق السوقية القمعية التي تجديها مؤسسات القمع الايراني وارشادها الديني الموجه في العراق، الى طرق التصفية الجسدية وقتل الأئمّة العرب وبطرق ملتوية ظالمة كما حصل للأمام المفكر الاسلامي الكبير محمد باقر الصدر والشهيد الثاني محمد صادق الصدر رضوان الله عليهما، والتي تشير معظم الوثائق التأريخية والبوليسية الصدامية البعثية ومذكرات تلاميذ الصدر على دور المرجعية الفارسية في النجف الاشرف على تصفيتهم، ومن ثمّ افساح الدور التخريبي للمرجعية الفارسية ودرها في تسقيط الشيعة العرب في العراق.
لقد نقل العالم العراقي المرحوم علي الوردي في موسوعته لمحات اجتماعية وثائق تثبت الدور الخياني للمرجعية الفارسية في النجف الاشرف وتآمرها على الشعب العراقي لصالح الاحتلال البريطاني، ومن ضمن هذه الوثائق المهمة التي ترجمها من دائرة الوثائق البريطانية والخاصة بحقبة الاحتلال البريطاني للعراق، انّ المرجع الفارسي الاعلى في العراق المدعو كاظم اليزدي الطبأطبائي كان اليد اليمنى للأحتلال البريطاني في العراق، ويذكر انّ الجنرال ولسن الضابط البريطاني المشهور قال عند موت اليزدي: أنّه فقد اكبر حليف له في العراق وعلى هذا ايضا تسير المس بيل في مذكراتها.
ويذكر العالم المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه عن ثورة النجف من انّ المندوب السامي ارسل برقية لكاظم اليزدي يستشيره فيها بأعدام شباب الثورة من ابناء ابي كلل وغيرهم من الشباب النجفي الذي عرفوا في ثورة النجف ضدّ الاحتلال البريطاني، في محاولة لجس نبض المرجع في قضية اعدامهم شنقا حتى الموت، وهذا مايؤكده الشبيبي في مذكراته ايضا من انّ المرجع اليزدي لزم الصمت ولم يحرك ساكنا في قضية هؤلاء النجفيين الابطال، وهو- اليزدي - لو اشار بكلمة واحدة للمندوب السامي لأنقذ حياتهم جميعا - سواء سجنا او نفيا - الاّ انّ اليزدي الطبأطبائي وبصمته المطبق، فهم الاحتلال البريطاني موافقته على اعدامهم، وهذا ماحصل، حيث شنق 19 عربيا بطلا من ابناء النجف على جسر الكوفة.
يذكر الشيخ النعماني في كتابه سنوات المحنة وايام الحصار ويتبعه في هذا ايضا الشيخ مختار الاسدي في كتابه بين أزمة التأريخ وذمّة المؤرخين، انّ السيد الشهيد الامام محمد باقر الصدر كان ضحية تآمر المرجعية النجفية مع قوات الامن البعثي وقوات الامن البوليسي المشبوه للمرجعية الدينية في النجف الاشرف، حتى انّ السيد الشهيد الصدر الاول شكى من اذى المرجعية ومحاربتها له اكثر من شكواه من نظام صدام الارهابي.
وهذا نفسه ماحصل للسيد الشهيد الثاني محمد صادق الصدر، فكلّ الوثائق التي كشفها بعض الشرفاء من العراقيين - والتي هي الان بحوزة قوات الاحتلال - بعد سقوط نظام صدام حسين تؤكد تآمر المرجعية الفارسية في النجف الاشرف وعملها مع مخابرات صدام حسين على قتل محمد صادق الصدر وولديه رحمهم الله، وهي مازالت الى الان تعمل على تصفية بعض المراجع الكبار من العرب العراقيين، وعلى رأس المستهدفين الان في النجف الاشرف الامام المجدد المرجع الديني الكبير السيد العربي الامام احمد الحسني البغدادي.
انّ الوجود المرجعي الفارسي في العراق ليست له اهداف دينية وعقائدية وفكرية تجاه الاسلام والطائفة الشيعية، ولو كان يعمل بهذا الخطّ لظهرت يقظة فكرية ودينية حيّة متقدمة ومتجددة كما هو الحال في المرجعيات الايرانية في ايران وتأثيرها في مجتمعهم.
فالهدف المرجعي الايراني في النجف الاشرف له خدمة واضحة ومعروفة منذ تأسيس الدولة الصفوية والى الان، وهو تأجيج العداء الطائفي بين المسلمين ومن العراق لمصلحة الدولة الفارسية، وقد حقّقت الدولة الفارسية مكاسب عظمى من هذا النزاع الطائفي الذي كان مشتعلا تأريخيا أبان حقبة الاحتلال العثماني الصفوي للعراق على حساب الدولة وشعبها العربي، وكان من اعظم المكاسب للدولة الفارسية والعثمانية والتي دفع العراقيون والشيعة العرب ثمنها الى الدولة الفارسية اراضي الاحواز العربية ونصف المياه الاقليمية لشطّ العرب، مقابل غرس كيان فارسي في الارض العراقية وشحنه بمجاميع من الطبقات الفارسية الدونية - الكردية - وتحكمهم فيه، وهو مدينة السليمانية - شهرزور- التي ضمّت الى العراق مقابل ضمّ الاحواز الى ايران كما هو معروف بمعاهدة سيفر التي اشرف عليها البريطانيون والتحالف الغربي بين الدولتين العثمانية والفارسية الشاهنشاهية.
انّ الدولة الفارسية الحالية وقبلها الامبراطورية الفارسية قبل الاسلام كانت تضع العراق وشعب العراق كخنادق اولية لها ولنفوذها الاستعماري في المنطقة ، حتى انّها وللضرورة الاستراتيجية للعراق وموقعه المتميز في المنطقة والعالم نقلت عرشها المجوسي من ايران الى مدائن العراق وأخذت تدير الامبراطورية الفارسية من هناك - المدائن - ، الى ان جاء الفتح الاسلامي العربي ، هذا الفتح العظيم الذي حطم الحلم الفارسي المجوسي ودولة فارس في العراق ، هذا الحلم الذي مازال يعشعش في عقول المجوسيين وفرسهم ، والذي يطمح الى تحويل العراق وشعبه العريق الى لواء او اقليم الى دولة الفرس الاعجمية ، كما حصل للأحواز وشمال العراق ومدنه الاشورية التركمانية الى باقي المدن العربية مثل الجزر الاماراتية المحتلة من قبل الطغيان الفارسي الايراني المتوحش.
انّ التحول الفارسي الى الاسلام لم يكن تحولا عقائديا، ولم يكن ايمانا بالرسالة العربية الاسلامية ونبيها العربي الكريم، بقدر ماكان تحولا استراتيجيا وطنيا لدولة فارس وتأريخها مع الاديان الرافدينية، فألايرانيون لايشغلهم الدين والمذهب والعقيدة، بقدر ما يشغلهم السلطة والنفوذ وامتداد ارض فارس الى مايطمحون ويرغبون. انّ التأريخ الرافديني لبلاد مابين النهرين – العراق - يؤكد الولاء الايراني الفارسي لكل الاديان الاسطورية والاديان السماوية في العراق وفي المنطقة العربية، فالمجوسية والزرادشتية والمندائية هي عقائد عراقية بحتة بشرت بها الحضارات العراقية وطقوسها - السومرية والاكدية والبابلية - ودعمها القديس البابلي الشهير - ماني البابلي - وهذه العقائد الـ - مانية - العراقية الجنوبية كانت اساسا ومنطلقا للدعوة المسيحية التي بشر بها سيدنا المسيح عليه السلام.
انّ الايديولوجية الفارسية الايرانية وفهمها الاستعماري للشعوب الاخرى انطلق من عصبية الشعوب الى عقائدها واديانها، ومن ثمّ الدخول فيها وتشجيعها لمصلحة كيانها القومي وامتدادها الجغرافي، وهذا ماحصل للفتح الاسلامي ونفوذه العظيم في العالم القديم، فالتأريخ الاسلامي يذكرلنا من انّ معظم زعماء المذاهب الاسلامية واكبر المؤرخين الاسلامين بمن فيهم فقهاء السنّة من الفرس، حتى اشتهر في الفقه السني حديث اخرجوه بسند ينتهي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول مامعناه (ان العلم في السماء وابناء فارس له، او من هذا القبيل، لاحظ العنصرية الفارسية في هذا الحديث)، طبعا هذا قبل التحول الفارسي من السنّة الى الشيعة ، والذي تمّ بعهد السلطان اسماعيل الصفوي.
لم يكن الدخول الفارسي الايراني للأسلام اعتباطيا ، فهم دخلوا في كلّ الاديان العراقية وتحولوا منها حسب المصلحة القومية الايرانية الفارسية وتفاعلاتها في المنطقة وخرجوا منها منتصرين اقوياء، في وقت يكون فيه اصحاب الدين والدعوة ضعفاء متشرذمون، وهذا حقيقية ماحصل للمسلمين عند دخول الفرس الايرانيين الاسلام.
انّ العراق الان تمرّ عليه الان أخطر حقبة تآمرية في كلّ تأريخه الطويل، وهذه الحقبة تتمثل بالاحتلال الامريكي والفارسي له من جانب الى ضعف الايديولوجية الوطنية في العراق من جانب آخر، فالقادة السياسيين ومعظم من يدعون تمثيل الدولة العراقية، سواء من همّ في ظلّ الاحتلال او منهم في الضفة الاخرى، يعانون من مشكلة وطنية حقيقية، فهؤلاء لايدركون تأريخ بلدهم وجغرافية عراقهم، هؤلاء لايدركون من السياسة والقضية الوطنية غير الوصول للمنصب وتحقيق الاهداف الحزبية والطموحات الشخصية على حساب تأريخ العراق وشعبه وجغرافيته وحضارته، وهذا للاسف الشديد يمثل اكبر فشل للعراقيين وأحزابهم وقواهم الوطنية على طول تأريخ العراق.
أنّ اخطر عملية تعجيم للعراق واخطر محاولة لتمزيق الدولة العراقية تتمثل بالهيمنة الكردية على شمال العراق ومن ثمّ أقرار الاحزاب العراقية وتياراتها الاعتراف بوجود للأكراد في شمال العراق، فلم تسأل نفسها - هذه الاحزاب التي تدعي الوطنية - من اين جاء الحقّ الكردي في مدن عراقية آشورية تركمانية عربية لبضعة عشرات من السنين، لم يجرأ ايّ حزب سياسي عراقي - وطني - دعوة الاكراد وأحزابهم الى ندوة او اجتماع او مؤتمر وطني او دولي او أقليمي وطرح قضية الشمال العراقي وتأريخ المنطقة وأدعاء الاكراد ملكيتهم لها، ابدا ليس هناك قائد وطني لا من السنة ولا من الشيعة ولا من العرب ولا التركمان تجرأ بحس وطني عراقي رافديني وقال انّ المنطقة الشمالية للعراق لاوجود للأكراد فيها من قبل ثلاثة قرون مضت، وان وجد بعض الاكراد في العراق فهذا تمّ في العهد الاسلامي وفي مجتمع العراق الذي لاينهر ولا يقمع ولا يقاتل من يحب العيش فيه، وهذا للأسف ماحصل للقبائل الكردية الغازية لشمال العراق، التأريخ محفوظ في العراق وفي دول الجوار وفي كلّ المكتبات العالمية، وكلّها تثبت مانذهب اليه من عراقية الشمال العراقي، بدون اي واقع ووجود كردي.
انّ التعجيم وانّ تشعبت اصوله فهو واحد، فأذا كان الاكراد سنّة في الشمال العراقي، فهذا لايعني منح الشمال العراقي والارض العراقية للأكراد كونّهم سنّة، وكون الفرس شيعة فهذا ايضا لايعني اتهام العرب الشيعة وعملهم على ضمّ الفرات الاوسط والجنوب الى ايران.
انّ القضية العقائدية يجب ان توضع على جانب، والقضية الوطنية على جانب آخر، انّ المرجعية العربية السنية تتحمل مسؤولية تأريخية ووطنية في منح الشمال العراقي ومدنه العراقية للأكراد، فالمنطقة الشمالية للعراق هي قريبة للعرب السنّة ووجودهم وزعاماتهم، وهذا ماتثبته كلّ الحقائق التأريخية الحديثة والتي كما قلنا أنّها لاتزيد على بضعة عشرات من السنيين، وأشهرها ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر- الشمال العراقي اضافة للجزء الذي تقطتعه تركيا وهو ديار بكر - والتي كما يظهر من اسمائها انّها تعود الى القبائل العربية في المنطقة الشمالية التي تمتد الى عمق تركيا وسوريا وكلّ الاراضي العراقية التي يسيطر عليها الاكراد - من ديار مضر وربيعة الان - شمال العراق .
انّ القضية العقائدية والدينية كانت ومازالت سببا في تهشيم الجسد العراقي ودماره ومن ثمّ العمل على تعجيم العراق وشعبه، فالدولة العثمانية السنية ابدا لم تكن اقل خطرا على العراق من الدولة الصفوية الفارسية، فاذا كانت ايران غنمت جزء من الاراضي العراقية جرّاء عدائها للدولة العثمانية، فالدولة العثمانية أقتطعت معظم الاراضي العراقية والعربية الى كيانها الجديد مثل ديار بكر والاسكندرونة وبعض الاراضي السورية العراقية الحدودية التي تثبت عائديتها للآشوريين العراقيين.
انّ قيادات الشعوب الحازمة في العالم - بمن فيهم الفرس والاتراك - وضعوا قضية الدين والمذهب والعقيدة كقضية ثانوية في برامجهم الوطنية وفلسفتهم السياسية، فكما هو معروف انّ الدين والمذهب والعقيدة يمكن لهما العيش في ايّ مكان وجزء من العالم، وهذا ماحصل للأديان اليهودية والمسيحية والاسلامية السماوية الشرقية الى اديان البوذية والهندوسية والسيخ وغيرها، ألا ان الوطن والارض وتأريخها لايمكن نقلها الى هنا اوهناك، الاديان تتنقل والأوطان ثابتة، وهذا مذهب معروف في الحضارة البشرية. فكما جاء الله سبحانه وتعالى باليهودية جاء بعدها بالمسيحية ومن بعدها جاء بالاسلام، وهذه الاديان راحلة، الا انّ اوطان هذه الاديان ثابتة لم تتغير ولم تتحول.